التعايش مع اضطراب الشخصية الحدية: الفهم، التكيف، العلاج
التعايش مع اضطراب الشخصية الحدية (BPD) رحلة عاطفية مليئة بالتقلبات: مشاعر مكثفة، وعلاقات غير مستقرة، ومخاوف عميقة من الهجر، وإحساس غير ثابت بالذات. لكن، ولحسن الحظ، هو قابل للعلاج، فمع الدعم الكافي، والفهم الدقيق، والأدوات الصحيحة؛ من الممكن جدًّا بناء حياة مستقرة ومرضية.
في هذا المقال نلقي الضوء على تجاربك كفرد يواجه واقع BPD يوميًّا. سنستكشف ما اضطراب الشخصية الحدية BPD، ولماذا يحدث، وما الأدوية التي تُستخدم في علاجه، وكيفية إدارة العلاقات، والعواطف، لنصل إلى مرحلة من الاستقرار مع مرور الوقت. وكل ذلك مثبَت ومستند إلى أبحاث علمية حديثة وممارسات سريرية كثيرة.
1. ما اضطراب الشخصية الحدية BPD؟
اضطراب الشخصية الحدية هو حالة صحية نفسية تؤثر في كيفية تواصلك مع الآخرين، وكيف ترى نفسك، وكيف تتعامل مع العواطف. والمصاب به يمر بكثير من التجارب والمشاعر المتفاوتة، وأهمها:
· التعاطف الشديد.
· تقلبات مزاجية مفاجئة، حتى خلال اليوم الواحد.
· الخوف من الهجر أو الرفض سواء كان حقيقيًّا أو متخيلًا.
· علاقات قوية يمكن أن تنتقل بسرعة من المثالية إلى التحقير.
· الشعور بالفراغ أو عدم اليقين بشأن الهوية.
· سلوكيات إيذاء النفس أو الانتحار في أوقات الأزمات العاطفية.
هذه التجارب حقيقية جدًّا، ويمكن أن تكون مرهقة. لكنها أيضًا مفهومة، وغالبًا ما تكون متجذرة في كيفية معالجة الدماغ للعواطف وفي تجارب الحياة السابقة، خصوصًا الصدمات.
2. لماذا يحدث BPD؟
BPD ليس خطأك دون شك؛ إذ يتفق معظم الخبراء على أنه يتطور نتيجة مزيج من العوامل البيولوجية والبيئية. وإليك بعض هذه العوامل، وفقًا للمعهد الوطني للصحة النفسية والأبحاث الحديثة:
· الوراثة: قد يرث بعض الأشخاص مزاجًا يجعلهم أكثر حساسية للضغط أو الألم العاطفي.
· اختلافات الدماغ: تُظهر مسحات الدماغ أن الأشخاص الذين يعانونBPD قد يكون لديهم نشاط متزايد في اللوزة (التي تعالج الخوف والعواطف) ونشاط أقل في مناطق مثل القشرة الجبهية الأمامية (التي تساعد في السيطرة على الاندفاع واتخاذ القرارات).
· تجارب الطفولة: الإهمال العاطفي، أو الإساءة، أو الصدمات، أو النشأة مع مقدمي رعاية لم يهتموا بمشاعرك؛ يمكن أن يجعل من الصعب تعلم كيفية إدارة العواطف.
هذه ليست نقاط ضعف، إنها تكيفات للبقاء في ظروف صعبة. لكنْ مع المساعدة، يمكن لدماغك وجسدك إعادة التوازن المطلوب.
3. هل BPD قابل للعلاج؟
دون شك، فالأبحاث الحديثة توضح أنه قابل جدًّا للعلاج.
إذًا ما العلاجات الفعالة؟
· العلاج السلوكي الجدلي (DBT).
· العلاج القائم على التفكير .(MBT)
· علاج المخطط.
· الأدوية.
· إدارة العلاقات.
يمكن أن تكون العلاقات مؤلمة جدًّا للأشخاص الذين يعانون BPD. قد تشعر أنك "أكثر من اللازم"، أو تقلق من أن الناس سيتركونك. لذا فتعلم أنماط صحية يساعدك على الشعور بمزيد من الأمان.
إليك بعض المهارات التي يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا:
· وضّح احتياجاتك بوضوح بدلًا من توقع ما يخمن الآخرون.
· استخدم مهارة "DEAR MAN" -هي إحدى آليات DBT - لطلب ما تريده بطريقة هادئة ومحترمة.
· تعلم أن تتوقف خلال العواصف العاطفية؛ فقط بضع أنفاس عميقة يمكن أن تمنع رد الفعل من التصعيد.
· اعترف بتقلب الميول؛ فالأشخاص ليسوا جيدين تمامًا أو سيئين تمامًا؛ ذكّر نفسك أن الحقيقة عادةً ما تكون وسطًا بينهما.
كيفية العيش خلال العواصف العاطفية؟
المشاعر القوية هي جوهر BPD، لكن مع ذلك فلا يجب أن تتحكم بك.
وإليك بعض الإستراتيجيات لتساعدك على ضبط عواطفك:
اليقظة: اجعل نفسك متجذرًا في اللحظة الحالية، متمركزًا فيها: ماذا ترى، تسمع، تشم،...؛ هذا يستقطع دوامات القلق أو الغضب.
مهارة "TIPP" من: DBT
حرارة: اغمر وجهك في ماء بارد أو أمسك مكعبات ثلج.
تمارين مكثفة: قم بتمارين القفز أو المشي بسرعة.
تنفس متوازن: ببطء، خفف تنفسك لإعادة ضبط جهازك العصبي.
استرخاء تدريجي: شد وأرخِ مجموعات العضلات واحدة تلو الأخرى.
تحقق من مشاعرك: بدلًا من محاربة الشعور، قل: "من المنطقي أن أشعر بهذه الطريقة"؛ هذا يخفف من الشدة.
التعافي الواقعي
يتحسن عديد من الأشخاص الذين يعانونBPD . وجدت دراسة حديثة نُشرت فيJAMA Psychiatry في عام 2021 أن معظم الأشخاص لم تعد تتوفر فيهم الأعراض والمعايير الكاملة لـ BPD خلال 10 سنوات، خاصة مع العلاج.
لا يعني التعافي أنك لن تشعر بالمشاعر القوية مرة أخرى، بل يعني أنك:
· لديك أدوات لإدارتها.
· تبني علاقات ثابتة وفعالة.
· تعرف من أنت، حتى عندما تكون الأمور صعبة.
يتطلب الأمر وقتًا وصبرًا ودعمًا، لكن تيقن تمامًا أنك قادر على الوصول إلى ما تريد.
خاتمة
التعايش مع BPD صعب، لكن الحمد للَّه؛ فالشفاء لم يعد ممكنًا فحسب، بل صار احتمالًا كبيرًا ويحدث كل يوم لآلاف الأشخاص مثلك. أنت تستحق أن تُرى، وتُدعم، وتُمكَّن؛ مع الأدوات الصحيحة والدعم العاطفي لا شك أن النتائج ستكون وفق ما تريد.
تاريخ النشر:
14:16:32 2025-05-28
عدد المشاهدات:
90